مع الشخص الضعيف .. في قلب المجتمع .. (الأهل )


الشخص الضعيف ، أو الآخر المختلف ” هي تسمية اعتدنا استعمالها في إيمان ونور ، لنشير بلطف لأخوتنا المجروحين في ذكائهم ..
من هو هذا الشخص الضعيف ؟ ماذا لو حاولنا اليوم أن نسير معه إلى قلب المجتمع ..ماذا لو أبطأنا من تسارع خطواتنا لنحاول أن نسير معه مسيرته .. منذ قدومه إلى الدنيا ، وحتى مستقبله

تروي لي أم مريم ” وقد سبق وكتبت عن مريم في أولى تدويناتي هنا ” ، كيف جاء إليها الطبيب بعد ولادة مريم ، لم يرتدي سماعاته ولم يشعر بأنه بحاجة لأن يعاينها قال لها ببساطة ” مافي أمل ، اللي متلها بيموتو .. يلا أحسن ما تعذبكن ” هكذا ببساطة ، لم يستطع هذا الذي أدى القسم بأن يخدم الإنسان ، أن يرى الإنسان في هذا الشخص الضعيف . فقط لأنه مختلف !
لا تختلف قصة مريم عن قصة أي من أخوتنا ، إلا بتفاصيل قليلة فالنتيجة واحد ، هذا الضعيف منذ قدومه ” مرفوض ” ، ويتم التمني علنا ً أو سرا ً بأن يموت وأحيانا ً حتى من أقرب الناس إليه ..
الكثير من الحزن والألم ، لهذه العائلة .. وقلائل جدا ً العائلات التي قد تحتفل بفرح بقدوم هذا المولود إلى الدنيا
تبدأ بعد قدومه مرحلة الخجل من هذا الوليد ، فشعور الشفقة الذي نوزعه كثيرا ً حولنا ، وبحسن نية أحيانا ً .. يصبح مزعجا ً تماما ً للأهل المتألمين لأن أيقونة طفلهم جريحة و” ناقصة ”
. وكلمات مثل ” الله يكون بعونكن ، عن جد ” ” يا حرام ” ” توبة لك يارب ” ، وأسئلتنا الفضولية ” يعني وراثة ؟ ” ، ” يعني من شو ” ؟ وحتى البعض يبدي رعبه من هذا المخلوق الإنساني ، فقط لأن نظرته لا تستطيع أن ترى الجمال فيه .
هذا السلوك كله كم يتحول إلى إزعاج وإرهاق لأعصاب الأهل ، هذا وبالإضافة إلى خجل الأهل ورغبتهم بالحفاظ ” على سمعة العائلة ، فحتى الآن يا يزال الكثيرون يعتقدون أن الطفل المعاق هو بلاء من الرب ويجلب العار ” . وإذا كانت العائلة لديها إناث فهي تخشى أن يؤثر وجود أخ / أخت معاقة لها في المنزل على زواجها ..
لذا و ” للأسف ” يعمد الكثير من الأهل إلى تخبئة هذا الطفل بعيدا ً عن مجتمعه معزولا ً في غرفته .. وقد يقضي سنين طويلة في حياته ولا أحد يدري وجوده أصلا ً سجين غرفته . وينحى البعض منهم إلى اعتبار إي جهد مبذول على تعليم هذا الطفل ، سيذهب هباء ..
قد يكون من السهل أن نقف الآن .. ونحن نقرأ سلوك الأهل ، ونبدأ بإطلاق أحكامنا العاجية عليهم !
وهنا أرجوك .. بود ” لا تحكم بل تفهم ” .
تفهم كم من الألم ، أن تدرك فجأة أن هذا الصغير لن يكون يوما ً قادرا ً على الاستقلال بذاته ، سيكون دوما ً تحت دائرة الأضواء والمراقبة والإساءة والسخرية حتى .
تفهم كم من الذنب والتساؤلات يحملها الأهل في داخلهم عند قدوم طفلهم إلى عالمهم ” إلهي بم أنا أخطأت ؟ ” ، ” ماذا كان علي أن أفعل ” ؟ هل أنا مسؤول بشكل ما عن قدوم طفلي هكذا إلى العالم ؟
تفهم حاجتنا إلى الكمال في مجتمع اليوم ، وتقديسنا لمفاهيم القوة والغنى و النجاح .. وكيف يذكرنا هذا الطفل أنه قد يكون قادرا ُ على الحب فقط .. وأن علينا ان نقبل قدرته هذه وحبه ..
تفهم حاجتنا البشرية إلى الخلود .. وأنهم منذ اليوم الأول يدركون أن طفلهم هذا لن يكون له عائلة سواهم ، ولن يتابع ذريتهم ..
تفهم ألمهم كلما رأوه وحيدا ً ، مخذولا ً مرفوضا ً ..هذا الطفل سيرفض ..وسيجد دوما ً صعوبة أن يحاط بالأصدقاء
وأخيرا ً تفهم جهلهم .. فذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة لجهد إضافي ، ومعرفة إضافية ، لعناية صحية زائدة .. ولا أحد يتوجه اليوم إلى هؤلاء الأهل ليقول لهم ، ” لا تخافوا نحن هنا .. هكذا تستطيعون تعليمه ان يقرأ ، أن يحسب ، أن يأكل لوحده ، أن يمارس عاداته اليومية وحده ” لا تخافوا فنحن هنا لندلكم على الطريقة الأفضل للعناية بطفلكم ومحبته ..
هم وحيدون في عمق معاناتهم .. وفي صميم رفضنا .. 🙂

ويتبع .. حتما ً .

6 thoughts on “مع الشخص الضعيف .. في قلب المجتمع .. (الأهل )

Add yours

  1. نـحن كأشخاص دائما نبحث عن الأفضل اذا لم يكن الكمال .. و لهـيك صعبه الصدمه بولاده طفل مـعاق .. و لـكن اذا بدنا نجي لمرحله ما بعد الصدمه .. فهالمجتمع بيلتهمهم بلا رحمه و بصير هوّ صدمتهم .. لـكن ذكرتيني بحادثه صارت العام الماضي خلال حفله توزيع الشهادات بالجامعه قال المنادي أسـم شـخص و ماحدا قام .. رجع نادى الاسم مرّه تانيه و ايضا ما شاف حدا مقرّب .. بعدها كان في حركشه و لقينا الشـب الضايع .. كان معاق و أخده وقت لـقدر يقوم من الكرسي بمساعده زميله و تقدم عالستيج و كان معه الwalker تبعه مستند عليها .. وقت طلع عالستيج اللي صار بالصاله كان فعلا رائع .. الكل اتفاجأ و وقفوا و هنن عم يصفقوا بقوه..شخصيا كتير أثرت فيّ الفكره .. الاراده رائـعه فعلا !

    Like

  2. لا أستطيع إلا أن أوافقك الرأي، و من ثمّ أن أسأل :هل وطننا غير قادر أن يفعل شيئا لهؤلاء؟أنا لا أعرف بكل صراحةإن كان لدينا أم لا خدمات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة؟ ينبغي أن تقدّمها دائرة ما في وزارة الصحة أو في البلديات!الشيء الذي أريد الإشارة إليه هو أنّه في حالات كثيرة(حسب درجة عدم القدرة)يستطيع الشخص البالغ أن يكون مستقلا إلى حدّ كبير و ينبغي أن تقدّم الدولة المساعدة فيما تبقّى من أشياء لا يستطيع القيام بها وحيدا!أمّا فيما يتعلّق بتقبّل الوسط المحيط فهنا من جديد ينبغي أن تأخذ الدولة على عاتقها مهمّة دمجه بالمجتمع و توفير برامج حياتية دائمة له، هذا ليس حلما، هو واقع حقيقي يعيشه ذوو الاحتياجات الخاصّة في دول كثيرة!تحيّاتي

    Like

  3. تذكرت مرة كنت مأقرأ بأخوية..شب كان ماشي هوي ورفيئو(الجامعي) وشافو ولاد عم يضربو طفل \”مختلف\” بشدي..والطفل عم ينزف..بس تسائل الشب انو حرام ليش ميضبره؟؟رد عليه رفيئو (الجامعي) الله اعلم هوي شو كان عامل بحياتو السابقة.. حتى الله عمل فيه هيك!؟ومن وئتها انا مصدوم.. كتير مصدوم..عنا بمجتمعنا وحوش.. عنا افكار دينية حمجية..تخيلي طفل مينضرب- لكونو مختلف- من قبل ابناء جيلو..وماحدا بيدخل ابدا..ماحدا بيدافع عنو مشان مايخالف مشيئة الله..اي نوع من الآلهة هاد؟!

    Like

  4. The morning تماما المجتمع \”ونحنا ورفضنا ومفاهيمنا \” هي صدمتهم ، هني لا زالو بيمتلكو الفرح الطفولي والحب . باسلوالله لازمنا شغل كتير كتير ، ورح اتطرق لبعض الحاجات بكتابات اخرى عن هالقضية بالذات . الحاجة الى الاستقلالية ، صحيا ً ، المستقبل كلها هواجس ببالي أكتب عنها . شكرا لمرورك مدونتي بيفرحني ..

    Like

  5. Michelهمم الفكر الديني ؟ الفكر الديني غير مسؤول عن الموضوع \” خاصة أنو أكثر الناشطين في هالمجال عم يكونو بالمجال الديني \” يعني أنا سمعانة حسون مفتي الجمهورية عم يحكي عن الضعيف ، إي واو يعني .. يمكن من أجمل ما سمعته حول الموضوع الشخص الضعيف جميل جدا ً في عيني الله \” ع كفالتي \” .. Aziz Dalloul \\شكرا كتير

    Like

Leave a comment

Up ↑